سورة يس - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يس)


        


{وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68)}
{ننكسه في الخلق} نقلبه فيه فنخلقه على عكس ما خلقناه من قبل، وذلك أنا خلقناه على ضعف في جسده، وخلو من عقل وعلم، ثم جعلناه يتزايد وينتقل من حال إلى حال ويرتقي من درجة إلى درجة، إلى أن يبلغ أشده ويستكمل قوته، ويعقل ويعلم ما له وما عليه، فإذا انتهى نكسناه في الخلق فجعلناه يتناقص، حتى يرجع في حال شبيهة بحال الصبيّ في ضعف جسده وقلة عقله وخلّوه من العلم، كما ينكس السهم فيجعل أعلاه أسفله. قال عزّ وجلّ: {وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ العمر لِكَىْ لاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً} [الحج: 5]، {ثُمَّ رددناه أَسْفَلَ سافلين} [التين: 5] وهذه دلالة على أنّ من ينقلهم من الشباب إلى الهرم ومن القوّة إلى الضعف ومن رجاحة العقل إلى الخرف وقلة التمييز ومن العلم إلى الجهل بعد ما نقلهم خلاف هذا النقل وعكسه- قادر على أن يطمس على أعينهم ويمسخهم على مكانتهم ويفعل بهم ما شاء وأراد: وقرئ: بكسر الكاف {وننكِسه} و {ننكسه} من التنكيس والإنكاس {أَفَلاَ يَعْقِلُونَ} بالياء والتاء.


{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70)}
كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: شاعر، وروى أنّ القائل: عقبة بن أبي معيط، فقيل: {وَمَا علمناه الشعر} أي: وما علمناه بتعليم القرآن الشعر، على معنى: أنّ القرآن ليس بشعر وما هو من الشعر في شيء. وأين هو عن الشعر، والشعر إنما هو كلام موزون مقفى، يدل على معنى، فأين الوزن؟ وأين التقفية؟ وأين المعاني التي ينتحيها الشعراء عن معانيه؟ وأين نظم كلامهم من نظمه وأساليبه؟ فإذاً لا مناسبة بينه وبين الشعر إذا حققت، اللهمّ إلا أنّ هذا لفظه عربي، كما أنّ ذاك كذلك {وَمَا يَنبَغِى لَهُ} وما يصح له ولا يتطلب لو طلبه، أي: جعلناه بحيث لو أراد قرض الشعر لم يتأت له ولم يتسهل، كما جعلناه أمّياً لا يتهدّى للخط ولا يحسنه، لتكون الحجة أثبت والشبهة أدحض.
وعن الخليل: كان الشعر أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من كثير من الكلام، ولكن كان لا يتأتى له.
فإن قلت: فقوله: «أَنَا النَّبيُّ لاَ كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ»
وقوله: «هَلْ أَنْتَ إلاَّ أُصْبُعٌ دَمِيتِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ» قلت: ما هو إلا كلام من جنس كلامه الذي كان يرمي به على السليقة، من غير صنعة ولا تكلف، إلا أنه اتفق ذلك من غير قصد إلى ذلك ولا التفات منه إليه إن جاء موزوناً، كما يتفق في كثير من إنشاءات الناس في خطبهم ورسائلهم ومحاوراتهم أشياء موزونة لا يسميها أحد شعراً ولا يخطر ببال المتكلم ولا السامع أنها شعر، وإذا فتشت في كل كلام عن نحو ذلك وجدت الواقع في أوزان البحور غير عزيز، على أن الخليل ما كان يعدّ المشطور من الرجز شعراً، ولما نفى أن يكون القرآن من جنس الشعر قال: {إنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْءَانٌ مُّبِينٌ} يعني: ما هو إلا ذكر من الله تعالى يوعظ به الإنس والجنّ، كما قال: {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ للعالمين} [التكوير: 27] وما هو إلا قرآن كتاب سماوي، يقرأ في المحاريب، ويتلى في المتعبدات، وينال بتلاوته والعمل بما فيه فوز الدارين، فكم بينه وبين الشعر الذي هو من همزات الشياطين؟ {لّيُنذِرَ} القرآن أو الرسول وقرئ: {لتنذر} بالتاء. ولينذر: من نذر به إذا علمه {مَن كَانَ حَيّاً} أي عاقلاً متأملاً، لأن الغافل كالميت. أو معلوماً منه أنه يؤمن فيحيا بالإيمان {وَيَحِقَّ القول} وتجب كلمة العذاب {عَلَى الكافرين} الذي لا يتأملون ولا يتوقع منهم الإيمان.


{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73)}
{مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} مما تولينا نحن إحداثه ولم يقدر على توليه غيرنا، وإنما قال ذلك لبدائع الفطرة والحكمة فيها، التي لا يصحّ أن يقدر عليها إلا هو. وعمل الأيدي: استعارة من عمل من يعملون بالأيدي {فَهُمْ لَهَا مالكون} أي خلقناها لأجلهم فملكناها إياهم، فهم متصرفون فيها تصرف الملاك، مختصون بالانتفاع فيها لا يزاحمون. أو فهم لها ضابطون قاهرون، من قوله:
أَصْبَحْتُ لاَ أَحْمِلُ السِّلاَحَ وَلاَ *** أَمْلِكُ رَأْسَ الْبَعِيرِ إنْ نَفَرَا
أي لا أضبطه، وهو من جملة النعم الظاهرة، وإلا فمن كان يقدر عليها لولا تذليله وتسخيره لها، كما قال القائل:
يُصَرِّفُهُ الصَّبِيُّ بِكُلِّ وَجْهٍ *** وَيَحْبِسُهُ عَلَى الْخَسْفِ الْجَرِيرُ
وَتَضْرِبُهُ الْوَلِيدَةُ بِالْهَرَاوَى *** فَلاَ غِيَرٌ لَدَيْهِ وَلاَ نَكِيرُ
ولهذا ألزم الله سبحانه الراكب أن يشكر هذه النعمة ويسبح بقوله: {سبحان الذي سخّر لنا هذا وما كنا له مقرنين} [الزخرف: 13]. وقرئ: {ركوبهم} وركوبتهم. وهما ما يركب، كالحلوب والحلوبة. وقيل: الركوبة جمع. وقرئ: {ركوبهم} أي ذو ركوبهم. أو فمن منافعها ركوبهم {منافع} من الجلود والأوبار والأصواف وغير ذلك {ومشارب} من اللبن، ذكرها مجملة، وقد فصلها في قوله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مّن جُلُودِ الأنعام بُيُوتًا} [النحل: 80] الآية، والمشارب: جمع مشرب وهو موضع الشرب، أو الشرب.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10